الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{ واتل عليهم نبأ إبراهيم، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين، قال هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } قوله {واتل عليهم نبأ إبراهيم}نبه المشركين على فرط جهلهم إذ رغبوا عن اعتقاد إبراهيم ودينه وهو أبوهم. والنبأ الخبر؛ أي أقصص عليهم يا محمد خبره وحديثه وعيبه على قومه ما يعبدون. وإنما قال ذلك ملزما لهم الحجة. والجمهور من القراء على تخفيف الهمزة الثانية وهو أحسن الوجوه؛ لأنهم قد أجمعوا على تخفيف الثانية من كلمة واحدة نحم آدم. وإن شئت حققتهما فقلت}نبأ إبراهيم}. وإن شئت خففتهما فقلت}نبا ابراهيم}. وإن شئت خففت الأولى. وثم وجه خامس إلا أنه بعيد في العربية وهو أن يدغم الهمزة في الهمزة كما يقال رأَّاس للذي يبيع الرؤوس. وإنما بعد لأنك تجمع بين همزتين كأنهما في كلمة واحدة، وحسن في فعال لأنه لا يأتي إلا مدغما. {إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون}أي أي شيء تعبدون {قالوا نعبد أصناما}وكانت أصنامهم من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب. {فنظل لها عاكفين}أي فنقيم على عبادتها. وليس المراد وقتا معينا بل هو إخبار عما هم فيه. وقيل: كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل، وكانوا في الليل يعبدون الكواكب. فيقال: ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا. {قال هل يسمعونكم}قال الأخفش: فيه حذف؛ والمعنى: هل يسمعون منكم؟ أو هل يسمعون دعاءكم؛ قال الشاعر: قال: والأبق الكتان فحذف. والمعنى؛ وأحكمت حكمات الأبق. وفي الصحاح: والأبق بالتحريك القنب. وروي عن قتادة أنه قرأ}هل يسمعونكم}بضم الياء؛ أي أهل يسمعونكم أصواتهم. {إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون}أي هل تنفعكم هذه الأصنام وترزقكم، أو تملك لكم خيرا أو ضرا إن عصيتم؟! وهذا استفهام لتقرير الحجة؛ فإذا لم ينفعوكم ولم يضروا فما معنى عبادتكم لها. {، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}فنزعوا إلى التقليد من غير حجة ولا دليل. وقد مضى القول فيه. قال إبراهيم {أفرأيتم ما كنتم تعبدون}من هذه الأصنام {أنتم وآباؤكم الأقدمون}الأولون {فإنهم عدو لي}واحد يؤدي عن جماعة، وكذلك يقال للمرأة هي عدو الله وعدوة الله؟ حكاهما الفراء. قال علي بن سليمان: من قال عدوة الله وأثبت الهاء قال هي بمعنى معادية، ومن قال عدو للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب. ووصف الجماد بالعداوة بمعنى أنهم عدو لي إن عبدتهم يوم القيامة؛ كماقال { الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } قوله {الذي خلقني فهو يهدين}أي يرشدني إلى الدين. {والذي هو يطعمني ويسقين} أي يرزقني. ودخول {هو}تنبيه على أن غيره لا يطعم ولا يسقي؛ كما تقول: زيد هو الذي فعل كذا؛ أي لم يفعله غيره. {وإذا مرضت فهو يشفين}قال {مرضت}رعاية للأدب وإلا فالمرض والشفاء من الله عز وجل جميعا. ونظيره قول فتى موسى قلت: وتجوز بعض أهل الإشارات في غوامض المعاني فعدل عن ظاهر ما ذكرناه إلى ما تدفعه بدائه العقول من أنه ليس المراد من إبراهيم. فقال {والذي هو يطعمني ويسقين}أي يطعمني لذة الإيمان ويسقين حلاوة القبول. ولهم في قوله {وإذا مرضت فهو يشفين}وجهان: أحدهما: إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته. الثاني: إذا مرضت بمقاساة الخلق، شفاني بمشاهدة الحق. وقال جعفر بن محمد الصادق: إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة. وتأولوا قوله {والذي يميتني ثم يحيين}على ثلاثة أوجه: فالذي يميتني بالمعاصي يحييني بالطاعات. الثاني: يميتني بالخوف ويحييني بالرجاء. الثالث: يميتني، بالطمع ويحييني بالقناعة. وقول رابع: يميتني بالعدل ويحييني بالفضل. وقول خامس: يميتني بالفراق ويحييني بالتلاق. وقول سادس: يميتني بالجهل ويحييني بالعقل؛ إلى غير ذلك مما ليس بشيء منه مراد من الآية؛ فإن هذه التأويلات الغامضة، والأمور الباطنة، إنما تكون لمن حذق وعرف الحق، وأما من كان في عمى عن الحق ولا يعرف الحق فكيف ترمز له الأمور الباطنة، وتترك الأمور الظاهرة؟ هذا محال. والله أعلم. قوله {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي}{أطمع}أي أرجو. وقيل: هو بمعنى اليقين في حقه، وبمعنى الرجاء في حق المؤمنين سواه. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق}خطاياي}وقال: ليست خطيئة واحدة. قال النحاس: خطيئة بمعنى خطايا معروف في كلام العرب، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله عز وجل { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لأبي إنه كان من الضالين، ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم } قوله {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين}{حكما}معرفة بك وبحدودك وأحكامك؛ قال ابن عباس. وقال مقاتل: فهما وعلما؛ وهو راجع إلى الأول. وقال الكلبي: نبوة ورسالة إلى الخلق. {وألحقني بالصالحين}أي بالنبيين من قبلي في الدرجة. وقال ابن عباس: بأهل الجنة؛ وهو تأكيد قوله {هب لي حكما}. قوله {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}قال ابن عباس: هو اجتماع الأمم عليه. وقال مجاهد: هو الثناء الحسن. قال ابن عطية: هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين؛ وكذلك أجاب الله دعوته، وكل أمة تتمسك به وتعظمه، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم. وقال مكي: وقيل معناه سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق؛ فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عطية: وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ. وقال القشيري: أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة؛ فإن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد. قلت: وقد فعل الله ذلك إذ ليس أحد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي على إبراهيم وخاصة في الصلوات، وعلى المنابر التي هي أفضل الحالات وأفضل الدرجات. والصلاة دعاء بالرحمة: والمراد باللسان القول، وأصله جارحة الكلام. قال القتبي: وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة، وقد تكني العرب بها عن الكلمة. قال الأعشى: قال الجوهري: يروى من علو بضم الواو وفتحها وكسرها. أي أتاني خبر من أعلى، والتأنيث للكلمة. وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر. روى أشهب عن مالك قال قال الله عز وجل {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ. الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قوله {واجعلني من ورثة جنة النعيم}دعاء بالجنة وبمن يرثها، وهو يرد قول بعضهم: لا أسأل جنة ولا نارا. {واغفر لأبي إنه كان من الضالين}كان أبوه وعده في الظاهر أن يؤمن به فاستغفر له لهذا، فلما بان أنه لا يفي بما قال تبرأ منه. وقد تقدم هذا المعنى. {إنه كان من الضالين}أي المشركين. و {كان}زائدة. قوله {ولا تخزني يوم يبعثون}أي لا تفضحني على رؤوس الأشهاد، أو لا تعذبني يوم القيامة. قوله {يوم لا ينفع مال ولا بنون}{يوم}بدل من {يوم}الأول. أي يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا. والمراد بقوله {ولا بنون}الأعوان؛ لأن الابن إذا لم ينفع فغيره متى ينفع؟ وقيل: ذكر البنين لأنه جرى ذكر والد إبراهيم، أي لم ينفعه إبراهيم. {إلا من أتى الله بقلب سليم}هو استثناء من الكافرين؛ أي لا ينفعه ماله ولا بنوه. وقيل: هو استثناء من غير الجنس، أي لكن {من أتى الله بقلب سليم}ينفعه لسلامة قلبه. وخص القلب بالذكر؛ لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح. وقد تقدم في أول البقرة واختلف في القلب السليم فقيل: من الشك والشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد؛ قال قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين. وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض؛ قال الله قلت: وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه وهو حسن، أي الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة؛ والله أعلم. وقد روي عن عروة أنه قال: يا بني لا تكونوا لعانين فإن إبراهيم لم يلعن شيئا قط، قال الله { وأزلفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين، وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون، من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون، فكبكبوا فيها هم والغاوون، وجنود إبليس أجمعون، قالوا وهم فيها يختصمون، تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين، وما أضلنا إلا المجرمون، فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم، فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {وأزلفت الجنة للمتقين}أي قربت وأدنيت ليدخلوها. وقال الزجاج: قرب دخولهم إياها. {وبرزت}أي أظهرت {الجحيم}يعني جهنم. {للغاوين}أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى. أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخولها حتى يستشعروا الروع والحزن، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة. {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون، من دون الله}من الأصنام والأنداد {هل ينصرونكم}من عذاب الله {أو ينتصرون}لأنفسهم. وهذا كله توبيخ. {فكبكبوا فيها}أي قلبوا على رؤوسهم. وقيل: دهوروا وألقي بعضهم على بعض. وقيل: جمعوا. مأخوذ من الكبكبة وهي الجماعة؛ قاله الهروي. وقال النحاس: هو مشتق من كوكب الشيء أي معظمه. والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة. وقال ابن عباس: جمعوا فطرحوا في النار. وقال مجاهد: دهوروا. وقال مقاتل: قذفوا. والمعنى واحد. تقول: دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مهواة. يقال: هو يدهور اللقم إذا كبرها. ويقال: في الدعاء كب الله عدو المسلمين ولا يقال أكبه. وكبكبه، أي كبه وقلبه. ومنه قوله {فكبكبوا فيها}والأصل كببوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالا لاجتماع الباءات. قال السدي: الضمير في {كبكبوا}لمشركي العرب {هم والغاوون}الآلهة. {وجنود إبليس}من كان من ذريته. وقيل: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه. وقال قتادة والكلبي ومقاتل}الغاوون}هم الشياطين. وقيل: إنما تلقي الأصنام في النار وهي حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم. {قالوا وهم فيها يختصمون}يعني الإنس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ. {تالله}حلفوا بالله {إن كنا لفي ضلال مبين}أي في خسارة وتبار وحيرة عن الحق بينة إذا اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد؛ وهذا معنى قوله {إذ نسويكم برب العالمين}أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم. قوله {وما أضلنا إلا المجرمون}يعني الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام. وقيل: أسلافنا الذين قلدناهم. قال أبو العالية وعكرمة}المجرمون}إبليس وابن آدم القاتل هما أول من سن الكفر والقتل وأنواع المعاصي. {فما لنا من شافعين}أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. {ولا صديق حميم}أي صديق مشفق؛ وكان علي رضي الله عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة؛ ألا تسمع إلى قول أهل النار}فما لنا من شافعين ولا صديق حميم}الزمخشري: وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقتله؛ ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته؛ رحمة له وحسبة وإن لمم تسبق له بأكثرهم معرفة؛ وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأنوق؛ وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال: اسم لا معنى له. ويجوز أن يريد بالصديق الجمع والحميم القريب والخاص؛ ومنه حامة الرجل أي أقرباؤه. وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار؛ ومنه الحمام والحمى؛ فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه؛ يقال: وهم حزانته أي يحزنهم ما يحزنه. ويقال: حم الشيء وأحم إذا قرب، ومنه الحمى؛ لأنها تقرب من الأجل. وقال علي بن عيسى: إنما سمي القريب حميما؛ لأنه يحمي لغضب صاحبه، فجعله مأخوذا من الحمية. وقال قتادة: يذهب الله عز وجل يوم القيامة مودة الصديق ورقة الحميم. ويجوز}ولا صديق حميم}بالرفع على موضع {من شافعين}؛ لأن {من شافعين}في موضع رفع. وجمع صديق أصدقاء وصدقاء وصداق. ولا يقال صدق للفرق بين النعت وغيره. وحكى الكوفيون: أنه يقال في جمعه صدقان. النحاس: وهذا بعيد؛ لأن هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان. وحكموا أيضا صديق وأصادق. وأفاعل إنما هو جمع أفعل إذا لم يكن نعتا نحو أشجع وأشاجع. ويقال: صديق للواحد والجماعة وللمرأة؛ قال الشاعر: ويقال: فلان صديقي أي أخص أصدقائي، وإنما يصغر على جهة المدح؛ كقول حباب بن المنذر: (أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب) ذكر الجوهري. النحاس: وجمع حميم أحماء وأحمة وكرهوا أفعلاء للتضعيف. {فلو أن لنا كرة}{أن}في موضع رفع، المعنى ولو وقع لنا رجوع إلى الدنيا لآمنا حتى يكون لنا شفعاء. تمنوا حين لا ينفعهم التمني. وإنما قالوا ذلك حين شفع الملائكة والمؤمنون. { كذبت قوم نوح المرسلين، إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، فاتقوا الله وأطيعون، قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون، قال وما علمي بما كانوا يعملون، إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون، وما أنا بطارد المؤمنين، إن أنا إلا نذير مبين، قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين، قال رب إن قومي كذبون، فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين، فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعد الباقين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {كذبت قوم نوح المرسلين}قال {كذبت}والقوم مذكر؛ لأن المعنى كذبت جماعة قوم نوح، وقال {المرسلين}لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل؛ لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل. وقيل: كذبوا نوحا في النبوة وفيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده. وقيل: ذكر الجنس والمراد نوح عليه السلام. وقد مضى هذا في الفرقان {إذ قال لهم أخوهم نوح}أي ابن أبيهم وهي أخوة نسب لا أخوة دين. وقيل: هي أخوة المجانسة. قال الله {ألا تتقون}أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام. {إني لكم رسول أمين}أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى. وقيل {أمين}فيما بينكم؛ فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش. {فاتقوا الله}أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه. {وأطيعون}فيما آمركم به من الإيمان. {وما أسألكم عليه من أجر}أي لا طمع لي في مالكم. {إن أجري إلا على رب العالمين}أي ما جزائي {إلا على رب العالمين}. {فاتقوا الله وأطيعون}كرر تأكيدا. قوله {قالوا أنومن لك}أي نصدق قولك. {واتبعك الأرذلون}الواو للحال وفيه إضمار قد، أي وقد اتبعك. {الأرذلون}جمع الأرذل، المكسر الأراذل والأنثى الرذلي والجمع الرذل. قال النحاس: ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه. وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم، {وأتباعك الأرذلون}. النحاس: وهي قراءة حسنة؛ وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال بقد. وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع. قال الشاعر: ارتفاع {أتباعك}يجوز أن يكون بالابتداء و{الأرذلون}الخبر؛ التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون. ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير في قوله {أنؤمن لك}والتقدير: أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعد منهم؛ وحسن ذلك الفصل بقوله {لك}وقد مضى القول في الأراذل في سورة هود مستوفى. ونزيده هنا بيانا فقيل: إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه. واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا. وعلى أن الوجهين كان فالكل صالحون؛ وقد قال نوح}ونجني ومن معي من المؤمنين}والذين معه هم الذين أتبعوه، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذم بل الأرذلون هم المكذبون لهم. قال السهيلي: وقد أغري كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية: هم الحاكة والحجامون. ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبي الله واتباعهم له مشرفا كما تشرف بلال وسلمان بسبقهما للإسلام؛ فهما من وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجامين، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا بهم أرذلون ما يلحق اليوم بحاكتنا ذما ولا نقصا؛ لأن هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلا؛ وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين. قوله {قال وما علمي بما كانوا يعملون}{كان}زائدة؛ والمعنى: وما علمي بما يعملون؛ أي لم أكلف العلم بأعمالهم إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان، والاعتبار بالإيمان لا بالحرف والصنائع؛ وكأنهم قالوا: إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في العزة والمال. فقال: إني لم أقف على باطن أمرهم وإنما إلي ظاهرهم. وقيل: المعنى إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويرشدهم ويغويكم ويوفقهم ويخذلكم. {إن حسابهم}أي في أعمالهم وإيمانهم {إلا على ربي لو تشعرون}وجواب {لو}محذوف؛ أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم لما عبتموهم بصنائعهم. وقراءة العامة}تشعرون}بالتاء على المخاطبة للكفار وهو الظاهر وقرأ ابن أبي عبلة ومحمد بن السميقع}لو يشعرون}بالياء كأنه خبر عن الكفار وترك الخطاب لهم؛ نحو قوله قوله {قالوا لئن لم تنته يانوح}أي عن سب آلهتنا وعيب ديننا {لتكونن من المرجومين} أي بالحجارة؛ قال قتادة. وقال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين. قال الثمالي: كل مرجومين في القرآن فهو القتل إلا في مريم { كذبت عاد المرسلين، إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين، إن هذا إلا خلق الأولين، وما نحن بمعذبين، فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {كذبت عاد المرسلين}التأنيث بمعنى القبيلة والجماعة. وتكذيبهم المرسلين كما تقدم. {إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}تقدم. قوله {أتبنون بكل ريع آية تعبثون}الريع ما ارتفع من الأرض في قول ابن عباس وغيره، جمع ريعة. وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها. وقال قتادة: الريع الطريق. وهو قول الضحاك والكلبي ومقاتل والسدي. وقال ابن عباس أيضا. ومنه قول السيب بن علس: شبه الطريق بثوب أبيض. النحاس: ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع. قال الشاعر: وقال عمارة: الريع الجبل الواحد ريعة والجمع رياع. وقال مجاهد: هو الفج بين الجبلين. وعنه: الثنية الصغيرة. وعنه: المنظرة. وقال عكرمة ومقاتل: كانوا يهتدون بالنجوم إذا سافروا، فبنوا على الطريق أمثالا طوالا ليهتدوا بها: يدل عليه قوله {آية}أي علامة. وعن مجاهد: الريع بنيان الحمام دليله {تعبثون}أي تلعبون؛ أي تبنون بكل مكان مرتفع آية. علما تلعبون بها على معنى أبنية الحمام وبروجها. وقيل: تعبثون بمن يمر في الطريق. أي تبنون بكل موضع مرتفع لتشرفوا على السابلة فتسخروا منهم. وقال الكلبي: إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم؛ ذكره الماوردي. وقال ابن الأعرابي: الربع الصومعة، والريع البرج من الحمام يكون في الصحراء. والريع التل العالي. وفي الريع لغتان: كسر الراء وفتحها وجمعها أرياع، ذكره الثعلبي. قوله {وتتخذون مصانع}أي منازل؛ قاله الكلبي. وقيل: حصونا مشيدة؛ قال ابن عباس ومجاهد. ومنه قول الشاعر: وقيل: قصورا مشيدة؛ وقاله مجاهد أيضا. وعنه: بروج الحمام؛ وقاله السدي. قلت: وفيه بعد عن مجاهد؛ لأنه تقدم عنه في الريع أنه بنيان الحمام فيكون تكرارا في الكلام. وقال قتادة: مآجل للماء تحت الأرض. وكذا قال الزجاج: إنها مصانع الماء، واحدتها مصنعة ومصنع. ومنه قول لبيد: الجوهري: المصنعة كالحوض يجتمع فيها ماء المطر، وكذلك المصنعة بضم النون. والمصانع الحصون. وقال أبو عبيدة: يقال لكل بناء مصنعة. حكاه المهدوي. وقال عبدالرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العادية. {لعلكم تخلدون}أي كي تخلدوا. وقيل: لعل استفهام بمعنى التوبيخ أي فهل {تخلدون}كقولك: لعلك تشتمني أي هل تشتمني. روي معناه عن ابن زيد. وقال الفراء: كيما تخلدون لا تتفكرون في الموت. وقال ابن عباس وقتادة: كأنكم خالدون باقون فيها. وفي بعض القراءات {كأنكم تخلدون}ذكره النحاس. وحكى قتادة: أنها كانت في بعض القراءات {كأنكم خالدون}. قوله {وإذا بطشتم بطشتم جبارين}البطش السطوة والأخذ بالعنف وقد بطش به يبطش ويبطش بطشا. وباطشه مباطشة. وقال ابن عباس ومجاهد: البطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط. ومعنى ذلك فعلتم ذلك ظلما. وقال مجاهد أيضا: هو ضرب بالسياط ؛ ورواه مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر فيما ذكر ابن العربي. وقيل: هو القتل بالسيف في غير حق. حكاه يحيى بن سلام. وقال الكلبي والحسن: هو القتل على الغصب من غير تثبت. وكله يرجع إلى قول ابن عباس. وقيل: إنه المؤاخذة على العمد والخطأ من غير عفو ولا إبقاء. قال ابن العربي: ويؤيد ما قال مالك قول الله تعالى عن موسى قلت: وهذه الأوصاف المذمومة قد صارت في كثير من هذه الأمة، لا سيما بالديار المصرية منذ وليتها البحرية؛ فيبطشون بالناس بالسوط والعصا في غير حق. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك يكون. كما قوله {فاتقوا الله وأطيعون}تقدم. {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون}أي من الخيرات؛ ثم فسرها بقوله {أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون}أي سخر ذلك لكم وتفضل بها عليكم، فهو الذي يجب أن يعبد ويشكر ولا يكفر. {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}إن كفرتم به وأصررتم على ذلك. {قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين}كل ذلك عندنا سواء لا نسمع منك ولا نلوي على ما تقوله. و روى العباس عن أبي عمرو وبشر عن الكسائي}أوعظتَّ}مدغمة الظاء في التاء وهو بعيد؛ لأن الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جدا وكان مثله ومخرجه. {إن هذا إلا خلق الأولين}أي دينهم؛ عن ابن عباس وغيره. وقال الفراء: عادة الأولين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي}خلق الأولين}. الباقون {خلق}. قال الهروي: وقول عز وجل {إن هذا إلا خلق الأولين}أي اختلافهم وكذبهم، ومن قرأ}خلق الأولين}فمعناه عادتهم، والعرب تقول: حدثنا فلان بأحاديث الخلق أي بالخرافات والأحاديث المفتعلة. وقال ابن الأعرابي: الخلق الدين والخلق الطبع والخلق المروءة. قال النحاس}خلق الأولين}عند الفراء يعني عادة الأولين. وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيدقال {خلق الأولين}مذهبهم وما جرى عليه أمرهم؛ قال أبو جعفر: والقولان متقاربان، ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه { كذبت ثمود المرسلين، إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتتركون في ما هاهنا آمنين، في جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين، فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا إنما أنت من المسحرين، ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين، قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم، فعقروها فأصبحوا نادمين، فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {كذبت ثمود المرسلين}ذكر قصة صالح وقومه وهم ثمود؛ وكانوا يسكنون الحجر كما تقدم في الحجر وهي ذوات نخل وزروع ومياه. {أتتركون في ما ههنا آمنين} يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب. قال ابن عباس: كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم. ودل على هذا قوله يعني النخل؛ والنخلة السحوق البعيدة الطول. قلت: فيه وجهان؛ أحدهما: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيها على انفراده عنها بفضله عنها. والقاني: أن يريد بالجنات غيرها من الشجر؛ لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل. والطلعة هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف؛ في جوفه شماريخ القنو، والقنو اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه. و{هضيم}قال ابن عباس: لطيف ما دام في كفراه. والهضيم اللطيف الدقيق؛ ومنه قول امرئ القيس: الجوهري: ويقال للطلع هضيم ما لم يخرج من كفراه؛ لدخول بعضه في بعض. والهضيم من النساء اللطيفة الكشحين. ونحوه حكى الهروي؛ قال: هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر؛ ومنه رجل هضيم الجنبين أي منضمهما؛ هذا قول أهل اللغة. وحكى الماوردي وغيره في ذلك اثني عشر قولا: أحدها: أنه الرطب اللين؛ قال عكرمة. الثاني: هو المذنب من الرطب؛ قاله سعيد بن جبير. قال النحاس: و روى أبو إسحاق عن يزيد - هو ابن أبي زياد كوفي ويزيد بن أبي مريم شامي - {ونخل طلعها هضيم}قال: منه ما قد أرطب ومنه مذنب. الثالث: أنه الذي ليس فيه نوى؛ قاله الحسن. الرابع: أنه المتهشم المتفتت إذا مس تفتت؛ قال مجاهد. وقال أبو العالية: يتهشم في الفم. الخامس: هو الذي قد ضمر بركوب بعضه بعضا؛ قاله الضحاك ومقاتل. السادس: أنه المتلاصق بعضه ببعض؛ قال أبو صخر. السابع: أنه الطلع حين يتفرق ويخضر؛ قاله الضحاك أيضا. الثامن: أنه اليانع النضيج؛ قاله ابن عباس. التاسع: أنه المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر؛ حكاه ابن شجرة؛ قال: العاشر: أنه الرخو؛ قال الحسن. الحادي عشر: أنه الرخص اللطيف أول ما يخرج وهو الطلع النضيد؛ قاله الهروي. الثاني عشر: أنه البرني؛ قاله ابن الأعرابي؛ فعيل بمعنى فاعل أي هنيء مريء من انهضام الطعام. والطلع اسم مشتق من الطلوع وهو الظهور؛ ومنه طلوع الشمس والقمر والنبات. قوله {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين}النحت النجر والبري؛ نحته ينحته {بالكسر} نحتا إذا براه والنحاتة البراية. والمنحت ما ينحت به. وفي {والصافات}قال وقيل: متعجبين؛ قال خصيف. وقال ابن زيد: أقوياء. وقيل: فرهين فرحين؛ قاله الأخفش. والعرب تعاقب بين الهاء والحاء؛ تقول: مدهته ومدحته؛ فالفره الأشر الفرح ثم الفرح بمعنى المرح مذموم؛ قال الله وقال امرؤ القيس: {فأت بآية إن كنت من الصادقين}في قولك. {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم}قال ابن عباس: قالوا إن كنت صادقا فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننظر، وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا. فدعا الله وفعل الله ذلك فـ {قال هذه ناقة لها شرب}أي حظ من الماء؛ أي لكم شرب يوم ولها شرب يوم؛ فكانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله أول النهار وتسقيهم اللبن آخر النهار، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم، ليس لهم في يوم ورودها أن يشربوا من شربها شيئا، ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئا. قال الفراء: الشرب الحظ من الماء. قال النحاس: فأما المصدر فيقال فيه شرب شربا وشربا وشربا وأكثرها المضمومة؛ لأن المكسورة والمفتوحة يشتركان مع شيء آخر فيكون الشرب الحظ من الماء، ويكون الشرب جمع شارب كما قال: إلا أن أبا عمرو بن العلاء والكسائي يختاران الشَّرب بالفتح في الصدر، ويحتجان برواية بعض العلماء أن { كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين، رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {كذبت قوم لوط المرسلين}مضى معناه. قوله {أتأتون الذكران من العالمين}كانوا ينكحونهم في أدبارهم وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء على ما تقدم في الأعراف {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}يعني فروج النساء فإن الله خلقها للنكاح. قال إبراهيم بن مهاجر: قال لي مجاهد كيف يقرأ عبدالله {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم}قلت}وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم}قال: الفرج؛ كماقال وقال آخر: {رب نجني وأهلي مما يعملون}من عذاب عملهم. دعا الله لما أيس من إيمانهم ألا يصيبه من عذابهم. قوله {فنجيناه وأهله أجمعين}ولم يكن إلا ابنتاه على ما تقدم في هود {إلا عجوزا في الغابرين}روى سعيد عن قتادة قال: غبرت في عذاب الله عز وجل أي بقيت. وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من الباقين في الهرم أي بقيت حتى هرمت. قال النحاس: يقال للذاهب غابر والباقي غابر كما قال: وكما قال: أي ما بقي. والأغبار بقيات الألبان. {ثم دمرنا الآخرين}أي أهلكناهم بالسخف والحصب؛ قال مقاتل: خسف الله بقوم لوط وأرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية. {وأمطرنا عليهم مطرا}يعني الحجارة {فساء مطر المنذرين}وقيل: إن جبريل خسف بقريتهم وجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها الله بالحجارة. {فساء مطر المنذرين}لم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط وابنتاه. { كذب أصحاب الأيكة المرسلين، إذ قال لهم شعيب ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين، قالوا إنما أنت من المسحرين، وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين، فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين، قال ربي أعلم بما تعملون، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قوله {كذب أصحاب الأيكة المرسلين}الأيك الشجر المتلف الكثير الواحدة أيكة. ومن قرأ}أصحاب الأيكة}فهي الغيضة. ومن قرأ}لَيكة}فهو اسم القرية. ويقال: هما مثل بكة ومكة؛ قال الجوهري. وقال النحاس: وقرأ أبو جعفر ونافع}كذب أصحاب ليكة المرسلين}وكذا قرأ: في ص وأجمع القراء على الخفض في التي في سورة الحجر والتي في سورة ق فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذ كان المعنى واحدا. وأما ما حكاه أبو عبيد من أن {ليكة}هي اسم القرية التي كانوا فيها وأن {الأيكة}اسم البلد فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله فيثبت علمه، ولو عرف من قاله لكان فيه نظر؛ لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه. و روى عبدالله بن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة قال: أرسل شعيب عليه السلام إلى أمتين: إلى قومه من أهل مدين، وإلى أصحاب الأيكة؛ قال: والأيكة غيضة من شجر متلف. و روى سعيد عن قتادة قال: كان أصحاب الأيكة أهل غيضة وشجر وكانت عامة شجرهم الدوم وهو شجر المقل. و روى ابن جبير عن الضحاك قال: خرج أصحاب الأيكة - يعني حين أصابهم الحر - فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة فاستظلوا تحتها، فلما تكاملوا تحتها أحرقوا. ولو لم يكن هذا إلا ما روي عن ابن عباس قال: و{الأيكة}الشجر. ولا نعلم بين أهل اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف، فأما احتجاج بعض من احتج بقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنه في السواد {ليكة}فلا حجة له؛ والقول فيه: إن أصله الأيكة ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت واستغنت عن ألف الوصل؛ لأن اللام قد تحركت فلا يجوز عل هذا إلا الخفض؛ كما تقول بالأحمر تحقق الهمزة ثم تخفضها بلحمر؛ فإن شئت كتبته في الخط على ما كتبته أولا، وإن شئت كتبته بالحذف؛ ولم يجز إلا الخفض؛ قال سيبويه: وأعلم أن ما لا ينصرف إذا دخلت عليه الألف واللام أو أضيف أنصرف؛ ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا. وقال الخليل}الأيكة}غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر. {إذ قال لهم شعيب}ولم يقل أخوهم شعيب؛ لأنه لم يكن أخا لأصحاب الأيكة في النسب، فلما ذكر مدينقال قوله {واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين}قال مجاهد: الجبلة هي الخليقة. وجبل فلان على كذا أي خلق؛ فالخُلُق جِبِلَّة وجُبُلَّة وجِبْلة وجُبْلة وجَبْلة ذكره النحاس في {معاني القرآن}. {والجبلة}عطف على الكاف والميم. قال الهروي: الجِبِلَّة والجُبْلَة والجِبِلّ والجُبُلّ والجَبْلُ لغات؛ وهو الجمع ذو العدد الكثير من الناس؛ ومنه قوله {قالوا إنما أنت من المسحرين}الذين يأكلون الطعام والشراب على ما تقدم. {وإن نظنك لمن الكاذبين}أي ما نظنك إلا من الكاذبين في أنك رسول الله تعالى. {فأسقط علينا كِسْفا من السماء}أي جانبا من السماء وقطعة منه، فننظر إليه؛ كماقال { وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، وإنه لفي زبر الأولين } قوله {وإنه لتنزيل رب العالمين}عاد إلى ما تقدم بيانه في أول السورة من إعراض المشركين عن القرآن. {نزل}مخففا قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو. الباقون}نزل}مشددا {به الروح الأمين}نصبا وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد لقوله {وإنه لتنزيل}وهو مصدر نزل، والحجة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول ليس هذا بمقدر، لأن المعنى وإن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك؛ كما قال { أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل، ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين، كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم، فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون، فيقولوا هل نحن منظرون } قوله {أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل}قال مجاهد: يعني عبدالله بن سلام وسلمان وغيرهما ممن أسلم. وقال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد عليه السلام، فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته. فيرجع لفظ العلماء إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذ القول. وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب؛ لأنهم مظنون بهم علم. وقرأ ابن عامر}أو لم تكن لهم آية}. الباقون {أو لم يكن لهم آية}بالنصب على الخبر واسم يكن {أن يعلمه}والتقدير أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا آية واضحة. وعلى القراءة الأولى اسم كان {آية}والخبر {أن يعلمه علماء بني إسرائيل}. وقرأ عاصم الجحدري}أن تعلمه علماء بني إسرائيل}. {ولو نزلناه على بعض الأعجمين}أي على رجل ليس بعربي اللسان {فقرأه عليهم}بغير لغة العرب لما أمنوا ولقالوا لا نفقه. نظيره قوله {كذلك سلكناه}يعني القرآن أي الكفر به {في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به}وقيل: سلكنا التكذيب في قلوبهم؛ فذلك الذي منعهم من الإيمان، قاله يحيى بن سلام وقال عكرمة: القسوة. والمعنى متقارب وقد مضى في الحجر وأجاز الفراء الجزم في {لا يؤمنون}؛ لأن فيه معنى الشرط والمجازاة. وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كي لا في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت؛ فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم، لأن معناه إن لم أربطه ينفلت، والرفع بمعنى كيلا ينفلت. وأنشد لبعض بني عقيل: بالرفع لما حذف كي. ومن الجزم قول الآخر: قال النحاس: وهذا كله في {يؤمنون}خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم، ولا يكون شيء يعمل عملا فإذا حذف عمل عملا أقوي، من عمله وهو موجود، فهذا احتجاج بيِّن {حتى يروا العذاب الأليم}أي العذاب. وقرأ الحسن}فتأتيهم}بالتاء، والمعني: فتأتيهم الساعة بغتة فأضمرت لدلالة العذاب الواقع فيها، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها. وقال رجل للحسن وقد قرأ}فتأتيهم}: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة. فانتهره وقال: إنما هي الساعة تأتيهم بغتة أي فجأة. {وهم لا يشعرون}بإتيانها. {فيقولوا هل نحن منظرون}أي مؤخرون وممهلون. يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها. قال القشيري: وقوله {فيأتيهم}ليس عطفا على قوله {حتى يروا}بل هو جواب قوله {لا يؤمنون}فلما كان جوابا للنفي انتصب، وكذلك قوله {فيقولوا}. { أفبعذابنا يستعجلون، أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون، ذكرى وما كنا ظالمين } قوله {أفبعذابنا يستعجلون}قال مقاتل: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتي به! فنزلت}أفبعذابنا يستعجلون}. {أفرأيت إن متعناهم سنين}يعني في الدنيا والمراد أهل مكة في قول الضحاك وغيره. {ثم جاءهم ما كانوا يوعدون}من العذاب والهلاك {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}{ما}الأولى استفهام معناه التقرير، وهو في موضع نصب {بأغني}و{ما}الثانية في موضع رفع، ويجوز أن تكون الثانية نفيا لا موضع لها. وقيل {ما}الأولى حرف نفي، و{ما}الثانية في موضع رفع بـ {أغنى}والهاء العائدة محذوفة. والتقدير: ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه. وعن الزهري: إن عمر بن عبدالعزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ}أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}ثم يبكي ويقول: فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ولا أنت في النوام ناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى كما سر باللذات في النوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم قوله {وما أهلكنا من قرية}{من}صلة؛ المعنى: وما أهلكنا قرية. {إلا لها منذرون}أي رسل. {ذكرى}قال الكسائي}ذكرى}في موضع نصب على الحال. النحاس: وهذا لا يحصل، والقول فيه قول الفراء وأبي إسحاق أنها في موضع نصب على المصدر؛ قال الفراء: أي يذكرون ذكرى؛ وهذا قول صحيح؛ لأن معنى {إلا لها منذرون}إلا لها مذكرون. و{ذكرى}لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن فيها ألفا مقصورة. ويجوز {ذكرى}بالتنوين، ويجوز أن يكون {ذكرى}في موضع رفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى. وقال الفراء: أي ذلك ذكرى، وتلك ذكرى. وقال ابن الأنباري قال بعض المفسرين: ليس في {العشراء}وقف تام إلا قوله {إلا لها منذرون} وهذا عندنا وقف حسن؛ ثم يبتدئ {ذكرى}على معنى هي ذكرى أي يذكرهم ذكرى، والوقف على {ذكرى}أجود. {وما كنا ظالمين}في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم: { وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون، إنهم عن السمع لمعزولون، فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين } قوله {وما تنزلت به الشياطين}يعني القرآن بل ينزل به الروح الأمين. {وما ينبغي لهم وما يستطيعون. إنهم عن السمع لمعزولون}أي برمي الشهب كما مضى في سورة الحجر بيانه. وقرأ الحسن ومحمد بن السميقع}وما تنزلت به الشياطون}قال المهدوي: وهو غير جائز في العربية ومخالف للخط. وقال النحاس: وهذا غلط عند جميع النحويين؛ وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: هذا غلط عند العلماء، إنما يكون بدخول شبهة؛ لما رأى الحسن في آخره ياء ونونا وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع المسلم فغلط، وفي الحديث}احذروا زلة العالم}وقد قرأ هو مع الناس قوله {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين}قيل: المعنى قل لمن كفر هذا. وقيل: هو مخاطبة له عليه السلام وإن كان لا يفعل هذا؛ لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا والمقصود غيره. ودل على هذا قوله {وأنذر عشيرتك الأقربين}أي لا يتكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم. { وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون، وتوكل على العزيز الرحيم، الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين، إنه هو السميع العليم } قوله {وأنذر عشيرتك الأقربين}خص عشيرته الأقربين بالإنذار؛ لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك. وعشيرته الأقربون قريش. وقيل: بنو عبد مناف. ووقع في صحيح مسلم}وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين}. وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ؛ إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر. ويلزم على ثبوته إشكال؛ وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام وفي حب النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهم صلي الله عليه وسلم؛ فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى. و في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته؛ لقوله {إن لكم رحما سأبلها ببلالها}وقوله عز وجل قوله {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}تقدم في سورة الحجر و سبحان يقال: خفض جناحه إذا لان. {فإن عصوك}أي خالفوا أمرك. {فقل إني بريء مما تعملون}أي بريء من معصيتكم إياي؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله عز وجل، لأنه عليه السلام لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه. {وتوكل على العزيز الرحيم}أي فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه. وقرأ العامة}وتوكل}بالواو وكذلك هو في مصاحفهم. وقرأ نافع وابن عامر}فتوكل}بالفاء وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام. {الذي يراك حين تقوم}أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين: ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: يعني حين تقوم حيثما كنت. {وتقلبك في الساجدين}قال مجاهد وقتادة: في المصلين. وقال ابن عباس: أي في أصلاب الآباء، آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا. وقال عكرمة: يراك قائما وراكعا وساجدا؛ وقاله ابن عباس أيضا. وقيل: المعني؛ إنك ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك. وروي عن مجاهد، ذكره الماوردي والثعلبي. وكان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وذلك ثابت في الصحيح وفي تأويل الآية بعيد {إنه هو السميع العليم}تقدم. { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } قوله {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم}إنماقال {تنزل}لأنها أكثر ما تكون في الهواء، وأنها تمر في الريح. {يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}تقدم في الحجر {فيلقون السمع}صفة الشياطين {وأكثرهم}يرجع إلى الكهنة. وقيل: إلى الشياطين.
|